الوصف[
أجاد المتنبي وصف المعارك والحروب البارزة التي دارت في عصره وخاصة في حضرة وبلاط سيف الدولة، فكان شعره يعتبر سجلاً تاريخياً. كما أنه وصف الطبيعة، وأخلاق الناس، ونوازعهم النفسية، كما صور نفسه وطموحه. وقد قال يصف شِعب بوَّان، وهو منتزه بالقرب من شيراز :
|
|
مَغَاني الشِّعْبِ طِيباً في المَغَاني
|
| بمَنْزِلَةِ الرّبيعِ منَ الزّمَانِ
|
وَلَكِنّ الفَتى العَرَبيّ فِيهَا
|
| غَرِيبُ الوَجْهِ وَاليَدِ وَاللّسَانِ
|
مَلاعِبُ جِنّةٍ لَوْ سَارَ فِيهَا
|
| سُلَيْمَانٌ لَسَارَ بتَرْجُمَانِ
|
طَبَتْ فُرْسَانَنَا وَالخَيلَ حتى
|
| خَشِيتُ وَإنْ كَرُمنَ من الحِرَانِ
|
غَدَوْنَا تَنْفُضُ الأغْصَانُ فيهَا
|
| على أعْرافِهَا مِثْلَ الجُمَانِ
|
فسِرْتُ وَقَدْ حَجَبنَ الحَرّ عني
|
| وَجِئْنَ منَ الضّيَاءِ بمَا كَفَاني
|
وَألْقَى الشّرْقُ مِنْهَا في ثِيَابي
|
| دَنَانِيراً تَفِرّ مِنَ البَنَانِ
|
لها ثمر تشـير إليك منـه
|
| بأَشربـةٍ وقفن بـلا أوان
|
وأمواهٌ يصِلُّ بها حصاهـا
|
| صليل الحَلى في أيدي الغواني
|
إذا غنى الحمام الوُرْقُ فيها
|
| أجابتـه أغـانيُّ القيـان
|
وقال يعاتب سيف الدولة ويفخر بنفسه وشعره:
|
|
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
|
| و أسمعت كلماتي من به صمم
|
أنام ملء جفوني عن شواردها
|
| ويسهر الخلق جراها ويختصم
|
و جاهل مده في جهله ضحكي
|
| حتى أتته يد فراسة وفم
|
إذا رأيت نيوب الليث بارزة
|
| فلا تظنن أن الليث يبتسم
|
و مهجة مهجتي من هم صاحبها
|
| أدركته بجواد ظهره حرم
|
رجلاه في الركض رجل واليدان يد
|
| وفعله ماتريد الكف والقدم
|
ومرهف سرت بين الجحفلين به
|
| حتى ضربت وموج الموت يلتطم
|
الخيل والليل والبيداء تعرفني
|
| والسيف والرمح والقرطاس والقلم
|
الهجاء[
لم يكثر الشاعر من الهجاء. وكان في هجائه يأتي بحكم يجعلها قواعد عامة، تخضع لمبدأ أو خلق، وكثيراً ما يلجأ إلى التهكم، أو استعمال ألقاب تحمل في موسيقاها معناها، وتشيع حولها جو السخرية بمجرد اللفظ بها، كما أن السخط يدفعه إلى الهجاء اللاذع في بعض الأحيان. وقال يهجو طائفة من الشعراء الذين كانوا ينفسون عليه مكانته:
|
|
أفي كل يوم تحت ضِبني شُوَيْعرٌ
|
| ضعيف يقاويني، قصير يطاول
|
لساني بنطقي صامت عنه عادل
|
| وقلبي بصمتي ضاحكُ منه هازل
|
وأَتْعَبُ مَن ناداك من لا تُجيبه
|
| وأَغيظُ مَن عاداك مَن لا تُشاكل
|
وما التِّيهُ طِبِّى فيهم، غير أنني
|
| بغيـضٌ إِلىَّ الجاهـل المتعاقِـل
|
ومن قوله في هجاء كافور:
|
|
من أية الطرق يأتي مثلك الكرم
|
| أين المحاجم ياكافور والجلم
|
جازا الأولى ملكت كفاك قدرهم
|
| فعرفوا بك أن الكلب فوقهم
|
سادات كل أناس من نفوسهم
|
| وسادة المسلمين الأعبد القزم
|
أغاية الدين أن تحفوا شواربكم
|
| يا أمة ضحكت من جهلها الأمم
|
ألا فتى يورد الهندي هامته
|
| كيما تزول شكوك الناس والتهم
|
فإنه حجة يؤذي القلوب بها
|
| من دينه الدهر والتعطيل والقدم
|
ما أقدر الله أن يخزي خليقته
|
| ولا يصدق قوما في الذي زعموا
|
| يا ساقيي أخمـر فـي كؤوسكمـا
|
| أم فـي كؤوسكمـا هـم وتسهيـد
|
أصخرة أنـا مالـي لا تحركنـي
|
| هذي المدام ولا هـذي الأغاريـد
|
إذا أردت كميـت اللـون صافيـة
|
| وجدتها وحبيـب النفـس مفقـود
|
ماذا لقيـت مـن الدنيـا وأعجبـه
|
| أني بما أنـا شاكٍ منـه محسـود
|
إني نزلت بكذابين ضيفهم
|
| عن القرى وعن الترحال محدود
|
جود الرجال من الأيدي وجودهم
|
| من اللسان فلا كانوا ولا الجود
|
ما يقبض الموت نفسا من نفوسهـم
|
| إلا وفي يـده مـن نتنهـا عـود
|
أكلما اغتال عبـد السـوء سيـده
|
| أو خانه فله فـي مصـر تمهيـد
|
صار الخصي إمام الآبقين بها
|
| فالحر مستعبد والعبد معبود
|
نامت نواطير مصر عن ثعالبها
|
| فقد بشمن وما تفنى العناقيد
|
العبد ليـس لحـر صالـح بـأخ
|
| لو أنه فـي ثيـاب الحـر مولـود
|
لا تشتر العبد إلا والعصـا معـه
|
| إن العبيـد لأنـجـاس مناكـيـد
|
ما كنت أحسبني أحيا الـى زمـن
|
| يسيء بي فيه عبد وهـو محمـود
|
ولا توهمت أن الناس قد فقدوا
|
| وأن مثل أبي البيضاء موجود
|
وأن ذا الأسود المثقـوب مشفـره
|
| تطيعه ذي العضاريـط الرعاديـد
|
جوعان يأكل من زادي ويمسكنـي
|
| لكي يقال عظيـم القـدر مقصـود
|
وَيْلُمِّها خُطّةً ويْلُمِّ قابِلها
|
| لمثْلها خلق المهْرِيّةُ القود
|
وَعِنْدها لذّ طعْم الموْت شاربه
|
| إنّ المنيّة عنْد الذّلّ قنْديد
|
أم أذنه فـي يـد النخـاس داميـة
|
| أم قدره وهـو بالفلسيـن مـردود
|
أولى اللئام كويفيرٌ بمعذرة
|
| في كل لؤم، وبعض العذر تفنيد
|
وذاك أن الفحول البيض عاجزة
|
| عن الجميل، فكيف الخصية السود؟؟
|
|
اشتهر المتنبي بالحكمة وذهب كثير من أقواله مجرى الأمثال لأنه يتصل بالنفس الإنسانية، ويردد نوازعها وآلامها. ومن حكمه ونظراته في الحياة:
|
|
إذا غامَرْتَ في شَرَفٍ مَرُومِ
|
| فَلا تَقنَعْ بما دونَ النّجومِ
|
فطَعْمُ المَوْتِ في أمْرٍ حَقِيرٍ
|
| كطَعْمِ المَوْتِ في أمْرٍ عَظيمِ
|
يرَى الجُبَناءُ أنّ العَجزَ عَقْلٌ
|
| وتِلكَ خَديعَةُ الطّبعِ اللّئيمِ
|
وكمْ من عائِبٍ قوْلاً صَحيحاً
|
| وآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السّقيمِ
|
ولكِنْ تأخُذُ الآذانُ مِنْهُ
|
| على قَدَرِ القَرائحِ والعُلُومِ
|
كذلك يقول:
|
|
خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به
|
| في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل
|
والهجر أقتل لي مما اراقبه
|
| أنا الغريق فما خوفي من البلل
|
| مَا أنصَفَ القَومُ ضبّه
|
| وَأمهُ الطرْطبّه
|
وإنّما قلتُ ما قُلـ
|
| ـتُ رَحمَة لا مَحَبه
|
|
قصة قتله أنه لما ظفر به فاتك أراد الهرب فقال له غلامه : اتهرب وأنت القائل :
| الخيل والليل والبيداء تعرفني
|
| والسيف والرمح والقرطاس والقلم
|
|
فرد عليه بقوله قتلتني قتلك الله.